فيصل أمشاشتو

نقد بناء لعلها تعم الفائدة

بقلم: فيصل أمشاشتو

في الأجيال وأحكامها بين المركز والأطراف

إنّ الناظر في أحوال الأمم ليجد أنّ العقول تميل إلى تعميم الأحكام على ما يتراءى لها من ظواهر الأمور، فتجعل ما تشهده في موضع من المواضع حكمًا على الجميع، غير ملتفتة إلى الفروق القائمة بين الناس باختلاف أحوالهم وبيئاتهم. وهكذا قد يُظَنّ أن الجيل المسمّى “جيل 2030” هو صورة واحدة لا تتعدد، وأنه قاصرٌ على ما ظهر من مظاهره في العاصمة وما جاورها، وكأنّ سائر البلاد ليست من شأنه، أو كأنّ الأجيال التي نشأت في الأطراف لا شأن لها فيما يُناقش في المركز.

 

وما لقاء اليوم المنعقد في الرباط إلا مثال على هذه النزعة التي تجعل من المدينة مركزًا للحكم على الكل، في حين أنّ البلاد ليست الرباط وحدها، وأنّ ما يظهر في العاصمة لا يعكس بالضرورة حال المغرب بأسره. فمنذ متى كانت أحوال أهل الجبال والواحات والصحارى كأحوال أهل المدن الكبرى؟ ومنذ متى كانت قضايا الساكن في الرباط تشابه قضايا الساكن في القرى النائية التي لا تصلها إلا يد الإهمال؟

 

لقد بات الحديث عن “جيل 2030” وكأنه حديث عن حقيقة مطلقة، في حين أنّ هذا الجيل في المناطق المهمّشة قد لا يعرف عن هذه التسمية إلا صداها البعيد، بل إنّ الأولويات التي تُطرح في الحواضر قد لا تمسّ حاجاته في شيء. ففي الوقت الذي يُناقش فيه أهل المركز مسائل الرقمنة والتحديث، يطالب أهل القرى بالماء الصالح للشرب، وفي حين يُنظّر البعض لمستقبل المدن الذكية، يبحث آخرون عن مستوصف يداوي مرضاهم ومدرسة تحفظ أبناءهم من الضياع

 

فإن كان اللقاء المنظم اليوم في الرباط قد جعل من الجيل الجديد عنوانًا لمستقبل البلاد، فإنّ العدالة في النظر تقتضي أن يُفتح المجال لسماع أصوات الذين لم تشملهم هذه الرؤية، والذين لا يزالون خارج دائرة الاهتمام. فلا يكون الحكم على جيلٍ دون النظر إلى ظروفه كلها، ولا يكون مستقبل البلاد شأنًا تناقشه فئة دون أخرى، إذ لا تصلح الأمور إلا إذا رُعي فيها حال الجميع، لا حال النخبة وحدها.تهدف هذه المبادرة إلى إعادة بناء الثقة بين الشباب والمجال العام، حيث لا يكون الشباب مجرد مستفيدين، بل فاعلين رئيسيين في بلورة وتنفيذ هذه السياسات. وترتكز المبادرة على ثنائية “الكرامة – الأمل” كأساس لإعادة ربط الأجيال الصاعدة بالحياة السياسية والعامة، مما يمثل خطوة نحو مصالحة الشباب مع المجال العام وتمكينهم من أدوات الفعل والتأثير في القرارات التي تهم مستقبلهم.

 

مع ذلك، يجب الإشارة إلى أن هذه المبادرة، رغم أهميتها، قد تركزت في الرباط والمناطق الحضرية الكبرى، مما يثير تساؤلات حول مدى شموليتها للمناطق النائية والقرى البعيدة عن المركز. ففي الوقت الذي تُناقش فيه قضايا الرقمنة والتحديث في المدن الكبرى، تظل احتياجات سكان المناطق المهمشة مركزة على البنية التحتية الأساسية مثل الماء الصالح للشرب، الرعاية الصحية، والتعليم.

 

لذا، من الضروري أن تتبنى مبادرة “جيل 2030” مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار التنوع الجغرافي والاجتماعي للمغرب، لضمان إدماج فعلي لجميع الشباب في السياسات العمومية، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي