القضية الشبابية: رهانات الحاضر وتحديات المستقبل في أفق 2030

بقلم : أحمد لحبابي

تمثل القضية الشبابية إحدى أهم القضايا الاستراتيجية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بمستقبل المجتمعات واستدامة تنميتها. فالشباب هم قلب المجتمع النابض، ويمثلون طاقته الحية ومحركه الأساسي نحو التغيير والتجديد. غير أن هذا الدور الحيوي الذي  يناط بهم يظل رهينًا بمدى اندماجهم في النسيج الاجتماعي والسياسي، ومدى قدرة المجتمع على استثمار قدراتهم في خدمة التنمية الشاملة. وفي ظل التحولات العالمية المتسارعة، تبرز تحديات ورهانات جديدة أمام الشباب، تجعل من الضروري إعادة التفكير في موقعهم وآفاقهم، خصوصًا في أفق سنة 2030 التي تمثل محطة رئيسية لمشاريع التنمية المستدامة

يعتبر مفهوم “الشباب” من المفاهيم المركبة والمتغيرة  التي تتداخل فيها الأبعاد البيولوجية، النفسية، الاجتماعية والسياسية.

فالشباب، من المنظور السوسيولوجي، ليس فقط مرحلة عمرية (بين 15 و35 سنة حسب التعريفات الأممية) بل هو فئة اجتماعية تتميز بخصوصيات ثقافية، نفسية، وقيمية تجعلها في قلب الحركية الاجتماعية. هذه الفئة تعرف  غالبًا بروحها التغييرية، وميولها نحو الابتكار، ورفضها للجمود، ما يجعلها قوة مجتمعية ديناميكية بامتياز.

أما من المنظور السياسي، الشباب يعتبر خزانًا استراتيجيًا للأفكار والطموحات والطاقات، كما يشكل قاعدة أساسية لأي مشروع مجتمعي يرنو إلى التحديث والديمقراطية. إنهم الفئة التي تمتلك القدرة على تقديم تصورات جديدة والمساهمة في صياغة سياسات عمومية تتماشى مع انتظارات المواطنين، وهو ما يجعل انخراطهم في الحياة السياسية والمدنية ضرورة ملحة لا غنى عنها.

تشهد علاقة الشباب بالمجتمع والسياسة دينامية متجددة تتأسس على ضرورة اندماجهم الفعلي في المؤسسات الوسيطة التي تتيح لهم التعبير عن آرائهم والمشاركة في اتخاذ القرار. في هذا السياق، يعتبر الانخراط في الأحزاب السياسية وهيآت المجتمع المدني في المغرب أحد أهم المداخل لتعزيز مشاركة الشباب في الشأن العام.

 فالأحزاب السياسية تتيح فضاء ملائمًا لتأطير الشباب وتكوينهم سياسيًا، مما يُساهم في إعداد نخب سياسية قادرة على تحمل المسؤولية والمساهمة في تدبير الشأن العام.

كما أن انخراط الشباب في المجتمع المدني يمكنهم  من التفاعل مع قضايا المجتمع، والانخراط في مشاريع تنموية محلية ووطنية تكرس قيم التضامن والمواطنة الفعالة.

تشكل التنمية المستدامة مشروعًا عالميًا يرمي إلى تحقيق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية، الاجتماعية والبيئية، والشباب يعتبر  الفاعل الأساسي في تحقيق هذه الأجندة.

فمن خلال قدراتهم الابتكارية، وتفاعلهم مع التكنولوجيات الحديثة، و وعيهم بالقضايا البيئية والاجتماعية، يستطيع الشباب تقديم حلول مستدامة للمشكلات التي يواجهها المجتمع .

 وفي هذا السياق، يعد  الاستثمار في الشباب من خلال التعليم الجيد، التكوين المهني، ودعم ريادة الأعمال، مدخلًا أساسيًا لضمان مشاركتهم الفعالة في مشاريع التنمية. كما أن تشجيع المبادرات الشبابية في مجالات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وحماية البيئة، يفتح آفاقًا جديدة لتفعيل دور الشباب في تحقيق التنمية المستدامة.

  تطرح  أمام الشباب في أفق 2030 مجموعة  من الرهانات التي تستدعي تضافر الجهود لضمان انخراطهم الفعال في بناء المستقبل. من بين هذه الرهانات، رهان التمكين السياسي الذي يتطلب تعزيز مشاركة الشباب في مراكز القرار، سواء عبر الأحزاب السياسية، أو من خلال تقوية تمثيليتهم في المؤسسات التشريعية والتنفيذية. رهان التمكين الاقتصادي يفرض محاربة بطالة الشباب عبر تشجيع ريادة الأعمال، دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز التكوين المهني المرتبط بسوق الشغل. رهان التعليم والتكوين يظل ضروريًا لضمان تعليم جيد يواكب التحولات الرقمية والاقتصادية، و يعزز قيم المواطنة والانفتاح. كما أن رهان العدالة الاجتماعية والمجالية يفرض تقليص الفجوات الاجتماعية والمجالية، وضمان توزيع عادل للفرص بين شباب المدن والقرى. وأخيرًا، يبرز رهان الحفاظ على الهوية الثقافية في ظل العولمة، مع تعزيز قيم الحوار والتسامح والانفتاح على الآخر.

إن القضية الشبابية ليست مجرد ملف اجتماعي أو سياسي، بل هي قضية استراتيجية ترتبط بمستقبل المجتمع ككل. فتحقيق التنمية المستدامة رهين بإدماج الشباب في مشاريع البناء والتطور ، ومنحهم الفرصة لإثبات قدراتهم، والمساهمة في صياغة سياسات عمومية تراعي احتياجاتهم وتطلعاتهم. وفي أفق 2030، يصبح من الضروري تبني سياسات شمولية تُمكم الشباب من الاضطلاع بدورهم كاملا كشركاء أساسيين في التنمية و صناع  للمستقبل